ليلة القدر
*عمرو خالد
عمرو خالد
نتكلم اليوم عن ليلة خير من ألف شهر.. {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}.. ليلة قال الله تعالى عنها: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.. فهيا بنا نتجول فى رياضها نتنسم شذا معانيها..
وسميت ليلة القدر بهذا السبب لأنها ليلة تقدر فيها الأرزاق والآجال؛ فعامك القادم يقدر فى هذه الليلة؛ فإذا أقمتها ساجدا عابدا فهذه بشرى خير أن هدايتك وسعادتك وزرقك مضمونة هذا العام بفضل عبادتك هذه الليلة.
وحشود من الملائكة عدد قطرات المطر يتنزلون من السماء احتفالا بليلة بداية الهداية، يتنزلون بالهداية والرحمة والخير، من أجل أن يستغفروا لنا، ولكن ليس الملائكة، بل سيدنا جبريل فتقول الآية: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر ــ الآية: 4]، مع أن مهمة سيدنا جبريل الأصلية هى نزوله بالوحى على الأنبياء، ولكن لماذا ينزل فى هذه الليلة بعد وفاة آخر نبىّ سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
وكأن نزوله هو بمثابة الذكرى السنوية لنزوله كل عام فى رمضان ينزل بالوحى على سيدنا محمد، وكأنه يتفقد القرآن فى الأرض، ويتذكر أول ليلة نزل فيها بالقرآن على النبى، وهو يحتضنه، وهنا يقول العلماء كلمة جميلة: هذا الحضن من باب القوة من أجل أن يقوى النبى ويخفف عليه هول الموقف، والبعض الآخر يقول: إنها ضمة شوق للرسالة؛ حيث كانت آخر مرة نزل بها كان على سيدنا عيسى.
والثواب فى هذه الليلة
1 ــ خير من ألف شهر فالعبادة فى هذه الليلة، وكأن عمرك كله تعبدىّ لله، والبكاء فى هذه الليلة، وكأنك تبكى عمرك كله من خشية الله وصلة الرحم والصدقة والصلاة.
2 ــ كما قال النبى (صلى الله عليه وسلم): «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
3 ــ الدعاء فى هذه الليلة مستجاب؛ فيقول سفيان الثورى: «والله الدعاء فى هذه الليلة أفضل عندى من الصلاة؛ لأنى متيقن من الإجابة».
4 ــ أنها ليلة عتق ليس كغيرها من ليالى رمضان.
ما موعد ليلة القدر؟
النبى يقول: «التمسوها فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان»؛ فالنبى من شدة حرصه عليها اعتكف فى العام الأول من فرض الصيام فى العشر الأوائل من رمضان؛ لأنه نسى متى تكون من شهر رمضان؛ فجاءه جبريل فقال له: «إن الذى تبحث عنه لم يأتِ بعد»؛ ففى العام الذى يليه اعتكف النبى فى العشر الأواسط من رمضان، فجاءه جبريل وقال له: «إن الذى تبحث عنه لم يأتِ بعد»، وفى العام الذى يليه اعتكف فى العشر الأواخر فجاءه جبريل وقال له: «قد أدركتها.. قد أدركتها».
ويقصد النبى بالوتر هى الأيام الفردية؛ لأن الله وتر يجب الوتر، ولذلك ابحث عنها وابذل جهدك على قدر ما تستطيع، فيقول ابن حجر: «إنها ليست ثابتة، فينقلها الله بين الوتر فى العشر الأواخر».
ماذا كان يفعل النبى فى العشر الأواخر؟
كانت السيدة عائشة تقول عن النبى فى العشر الأواخر من رمضان: «كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر، وطوى فراشه واعتكف».
فأحيا الليل، تقصد أنه كان لا ينام، فمضى زمن النوم، فكان فى العشرين الأوائل يصلى بالليل، وينام فيخلط النوم بالصلاة؛ «فإذا دخلت العشر الأواخر لا نراه إلا قائما»، وأيقظ أهله للصلاة.
والاعتكاف فى العشرة الأواخر للتركيز عكس وجودك فى البيت وقتها.
أما الصحابة؛ فكان إحساسهم مختلفا بها؛ فكانوا يقولون: كنا نغتسل كل ليلة ونتطيب استقبالا لليلة القدر، ويقال: كان لأحد الصحابة حُلة اشتراها بألف درهم لا يلبسها طوال العام، إلا فى العشر الأواخر من رمضان، وكان يقول: «هى حُلة ليلة القدر لعل الله يقبلنى بإقبالى عليه».
وأغلى ثلاثة أشياء كان يفعلها النبى فى هذه الليلة:
1ــ صلاة التهجد فى الثلث الأخير، ويقول العلماء: على قدر اجتهادك فى هذه الليلة تتنزل عليك الرحمات والمغفرة، وعلى قدر اجتهادك بالنهار يفتح الله عليك بالليل.
2ــ قراءة قرآن.
3ــ دعاء.
قبل الختام لدى معنى رقيق أريد توصيله، وهو أن اسما من أسماء الله الحسنى الستار، وكلنا نعتقد أن الستار هو الذى يسترنا عندما نعصى فقط، هناك معنى آخر للستار ألا وهو أنه ستر موعد ليلة القدر عن عباده حتى يجتهدوا طوال العشرة أيام، وستر المؤمنين أحبابه من أجل أن يحفظ حرمة بقية المسلمين، وستر ساعة الإجابة يوم الجمعة من أجل أن نجتهد فيه طوال اليوم، وستر اسم الله الأعظم من أجل أن نتعلق بأسمائه كلها، وستر موعد الموت حتى تخاف فى كل الأوقات وتعمل فى كل الأوقات. الستار هو الذى يخفى أشياء من أجل أن يقربك منه أكثر.
وهناك بيت من الشعر أحب أن أهديه للناس فى هذا اليوم يقول:
أحزان قلبى لا تزول .. حتى أبشر بالقبول?وأرى كتابى باليمين .. وتقر عينى بالرسول
نيران قلبى فى اشتعال .. من خوف ربى ذى الجلال?فارحم وسامح يا رحيم .. واغفر ذنوبا كالجبال
والعين تبكى فى خشوع .. من خشية بين الضلوع?لله رب العالمين.. القلب دوما فى ولوع
فاحرص على ليلة القدر، وعلى قيامها وصلاتها ودعائها ولا تنسَ دعاء النبى فى هذه الليلة: «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنّا».
*داعية مصري
جريدة الشروق
16/9/2009