الفراعنة.. معلومات ونظريات وتفسيرات علمية محتملة
لا شك في ان كتاب الباحث الالماني فيليب فاندبرج عن الاهراموعما سمي لعنة الفراعنة هو الى حد بعيد كما وصف أي موسوعة في موضوع هذا اللغزالمصري القديم فقد احتوى على معلومات كثيرة وموثقة وتناول نظريات قديمة ومتجددةوطرح ما اعتبره تفسيرات علمية محتملة.
وقد يكون فاندبرج في كتابه هذا وضع بعضالتفصيلات العلمية المحتملة لبعض النظريات التي طرحت سابقا عما اعطي اسم "اللعنة" وزاد عليها نظريات او افتراضات جديدة بالاستناد الى عدد من العلوم الحديثة. الا انهاستطاع دائما في ايراده الوقائع الكثيرة ان يبقي التساؤل عن هذا السر القديم "معلقا" في الاجواء لا بقرار منه بل بسبب الموضوع ذاته.
اما اسم الكتاب فهو "لعنة الفراعنة..التفسير العلمي لظاهرة لعنة الفراعنة الغامضة". ترجم الكتاب خالداسعد عيسى واحمد غسان سبانو. وقد صدر الكتاب عن "دار قتيبة للطباعة والنشر" في دمشقوجاء في 239 صفحة كبيرة القطع.
وقد يكون في بعض عناوين فصول الكتاب ما يدل علىالمواد التي تناولها. من هذه العناوين "الموت والمصادفة" و"الموت في سبيل تقدمالعلوم" و"مملوك وسحرة" و"في طريق الخلود" و"اجنحة الموت السامة" و"الموت والحياةمن النجوم" و"اسرار الاهرامات" وغير ذلك.
طروحات فاندبرج في كتابه قد لا تكونآتتباجوبة عن السر بل سلطت عليه أضواء كثيرة او قدمت اجوبة محتملة ويظهر موقفه منالتساؤلات التي لخصت ما تناوله. قال متسائلا عن حقيقة اللعنة "هل يستطيع انسان مهمابلغت قدرته ان يؤثر في حياة الاخرين وان يوقف حياتهم كليا.. هل كان هنالك اساليبلمثل هذه الاعمال في مصر القديمة ربما اكتشفها بعض العلماء الموهوبين ونسيت بعدذلك.. هل كان هنالك سموم او كائنات تسبب الامراض قادرة على الاحتفاظ بقدرتها عبرالسنين والتي كان الفراعنة الذين يتوقون الى الخلود يأملون ان يحموا بواسطتهااجسامهم المحنطة والمذهبة من عبث البشر.. ام هل كان هنالك اشعاعات مميتة تصدر عنبعض العناصر الكيماوية النادرة او المعادن... ام يا ترى ان هذه الوفيات الغريبةالمتداخلة بعضها ببعض هي من قبيل المصادفات فحسب؟"
ربما اختصر الاراء المتضاربةفي شأن اللعنة والغرابة المحيطة بها ما بدأ به المؤلف كتابه وهو حديث اجراه معالدكتور جمال محرز المدير العام لمصلحة الاثار القديمة في المتحف المصري في القاهرةالذي تحدث عن "مصادفات غريبة في الحياة". هنا سأله المؤلف بقوله "وهكذا فأنتبالحقيقة لست متأكدا من ان هناك لعنة؟" رد محرز معترفا بتلك الوفيات الغامضة "وابتسم ابتسامة صفراوية قائلا: انا ببساطة لا اؤمن بهذا. انظر الي فأنا منهمك فيقبور ومومياء الفراعنة طيلة حياتي ومع ذلك فانا برهان حي على ان كل هذه اللعنات منقبيل المصادفات."
واضاف المؤلف يقول انه "بعد اربعة اسابيع من حديثنا هذا وجدالدكتور محرز ميتا وهو في الثانية والخمسين من العمر وقد عزا الاطباء سبب موتهلانهيار في جهاز دوران الدم في جسمه. والغريب ان وفاة محرز جاءت في نفس اليوم الذينزع فيه قناع توت عنخ امون الذهبي للمرة الثانية."
قال المترجمان ان من اهمالاعمال التي قدمت في هذا المضمار وأحدثها كتاب لعنة الفراعنة لمؤلفه الالمانيالدكتور فيليب فاندبرج "الذي كان شاهد عيان لبعض اطراف لعنة الفراعنة والذي استهوتهدراستها" ووصفا الكتاب بانه "بمثابة موسوعة علمية عن اللعنة".
يقول الكاتب انقصة اللعنة بدأت مع اكتشاف مقبرة توت عنخ امون على يد المنقب الانجليزي هوارد كارتربتمويل من اللورد كارنرفون وقد تم الكشف عن ابواب المقبرة عام 1922 ووجد كارتررقيما خزفيا في احدى الغرف يقول "ان الموت سوف يقضي بجناحيه على كل من يحاول انيزعج هذا الفرعون او يعبث بقبره."
وفي السادس من نوفمبر تشرين الثاني ارسل كارتربرقية الى مموله اللورد كارنرفون ينبئه فيها عن اكتشاف "رائع" في وادي الملوك هومقبرة عظيمة وان الاختام لم تمس. اظهرت الفحوص بعد ايام ان القبر قد نهب وسرقتاشياء قليلة من الكنز وبدا ان ذلك جرى بعد فترة قليلة من دفن الفرعون.
اضافالمؤلف ان حماسة العاملين في الموقع وغالبيتهم من المصريين خفت بعد العثور علىالرقيم فاضطر كارتر والعلماء الى محو هذا النص من السجل المكتوب لاكتشاف المقبرةوحتى الرقيم نفسه اختفى من المجموعة لكنه لم يختف من ذاكرة الذين قرأوه الا اناللعنة وجدت مرة ثانية على ظهر احد التماثيل حيث كتب "انني انا الذي يطرد لصوصالقبر بلهب الصحراء. انني انا حامي قبر توت عنخ امون."
وتحدث عن فتح المقصورةالرئيسية للقبر وان فرقة التنقيب ضمت 20 رجلا. وفي اوائل ابريل نيسان تبلغ كارتر انمرضا خطيرا اصاب اللورد كارنرفون فذهب لى القاهرة ليزوره. بدا مرضه بشكل غريب. حرارة ونوبات قشعريرة ورجفان وفي الليلة التالية توفي.
وكان كارتر قد طلب منعالم الاثار الامريكي ارثر ميس ان يساعد في فتح القبر. بعد وفاة كارنرفون شكاالامريكي من اعياء متزايد ثم استغرق في سبات عميق وتوفي في نفس الفندق الذي توفيفيه كارنرفون وهو "الكونتيننتال" في القاهرة.
أحد محبي التاريخ المصري وهوالامريكي جورج جولد ابن أحد الممولين رافق كارتر الى الضريح وفي اليوم التالي اصيبجولد بحمى عالية مات على اثرها في المساء. واستمرت الوفيات. قدم صناعي بريطاني هوجول وود الى موقع القبر وبعد الزيارة رجع الى انجلترا بحرا لكنه توفي "بالحمىالعالية".
اما ارتشيبولد دوجلاس ريد الاختصاصي بالاشعة السينية الذي كان اول منقطع الخيوط حول مومياء الفرعون لاجراء فحص بالاشعة فقد بدأ يعاني من نوبات الوهنوالضعف وبعد وقت قصير توفي عام 1924 اثر رجوعه الى انجلترا مباشرة.
ولم يأت عام 1929 حتى توفي 22 شخصا من الذين كانت لهم علاقة مباشرة او غير مباشرة بتوت عنخ امونومقبرته "وكل هؤلاء توفوا قبل اوانهم". وكان 13 منهم قد اشتركوا في فتح القبر. وبينالمتوفين الاستاذان دنلوك وفوكرات وعالما الاثار جاري دافيس وهاركنس دوجلاس ديريوالمساعدان استور وكالندر. وتوفيت زوجة اللورد كارنرفون سنة 1929 وقيل ان السببلدغة حشرة.
اما ريتشارد بيثيل امين سر كارتر فقد مات في تلك السنة ايضا نتيجة "لقصور قلب احتقاني". وعندما علم والده الذي كان قد زار مصر مع هؤلاء العلماء بموتابنه القى بنفسه من الطابق السابع لمبنى في لندن. وبعد ذلك واثناء مرور الجنازة فيطريقها الى المقبرة دهست عربة الموتى ولدا صغيرا. وبعد خمس سنوات انتحرتارملته.
كذلك مات رائدان من علماء الاثار امضيا سنوات في البحث في الاهرام هماالبريطاني السير فلندرز بيتري الذي مات بشكل مفاجيء عام 1942 في القدس وهو في طريقهالى بلاده من القاهرة. وكانت وفاته بعد قليل من وفاة زميله الامريكي جورج ريزيز فيالسنة نفسها.. والذي كان قد اكتشف قبر ام الفرعون خوفو واذاع اول اذاعة له من قبرخوفو سنة 1939. وفي عام 1959 انتحر الدكتور زكريا غنيم المفتش الاول لمصلحة الاثارفي صعيد مصر بعد سنوات من نوبات الوهن "وهذا غيض من فيض".
يعرض المؤلف سمومافتاكة عديدة عرفت في مصر ويشرح خصائصها ويتحدث عن امور منها "الوطاويط الخطرة" التيتعيش في الكهوف وبرازها السام وعن فطريات الكهوف كما ذكر "الدودة السامة" التيتسببت خلال شق الانفاق في اوروبا ما سمي "فقر دم العمال". ويعرض اراء علميةواحتمالات عديدة منها مبدأ اشعة الليزر ونظريات فيزيائية وكيميائية مختلفة.
وممايقدمه مما عرف حديثا موضوع "غاز الاعصاب" وقصة الملازم البريطاني وليام كولن الذيتعرض له بشكل ما فتحول من رجل في صحة ونشاط الى رجل يقاسي من وهن وانحطاط عميق فيقواه عامة وقد حاول الانتحار ثلاث مرات. ويذكر المؤلف هنا ان كثيرا من علماءالحضارة المصرية كانوا ضحايا الوهن ويقدم فوق ما سبق ذكره اسماء منها هوارد كارترنفسه واللورد وستبري واخرون.
وبعد عرض صفحات كثيرة تشكل دراسات علمية مختلفةيخلص الى القول "لم نقصد بهذا الكتاب ان نبرهن بشكل المنتصر ان لعنة الفراعنة هيشيء حقيقي وموجود" انما القصد ان يكون الكتاب بحثا عن الحقائق ولفتح طرق ممكنةلتفسيرها "فهل حول المصريون القدماء قبور فراعنتهم عمدا الى مصايد للموت بتركهمسموما فعالة... وباستعمالهم مواد مشعة.. وبتسخير الطاقة الكونية فوقالمشعة.."
وختم بقوله "ومع ذلك فان لعنة الفراعنة تبقى ظاهرة ليس لها تفسيرنهائي.. ظاهرة تمتد جذورها العميقة الى مصر القديمة تلك الحضارة التي تمتد اليناعبر العصور لتعذب وتدحض وتذل غطرسة العلوم المعاصرة باسرار الاهرامات والشعب الذيقام ببناء تلك الاهرامات."